منذ فترة وأنا أحاول
تلخيص نقاط فنية وإدارية لأسباب تعثر المشاريع الحكومية وتوصلت إلى نقاط كثيرة
جداً وعندما حاولت أن أجمعها تحت تقسيمات وجدتها جميعاً تشترك في عنصر واحد أساسي
وهو عدم توفر الموارد البشرية الهندسية الفنية المحترفة سواءً سعودي أو غير سعودي،
وأستطيع الجزم بأن جميع الأسباب الفنية الأخرى هي نتيجة وليست سبب لعدم توفر
العنصر البشري.
جميع الإدارات الحكومية
بلا استثناء لديها نقص شديد في العناصر البشرية المؤهلة السعودية وغير السعودية،
نجدها تعتمد على إدارات هندسية يتم التوظيف على وظائفها الشاغرة عن طريق ديوان
الخدمة المدنية من خريجي الجامعات المحلية والخارجية، وفي الغالب نجد هذه الإدارات
في بداياتها تدار من قبل غير مؤهلين أو حتى غير مهندسين ولا توفر التدريب الفني
المهني المناسب لموظفيها لعدم توفر الخبرات المتراكمة وكذلك عدم توفر الإمكانيات
المادية للتدريب والتي لا يستطيع غير الفنيين "والذي لديهم الصلاحيات المالية"
من فهمها والحاجة الماسة لها، ومع ازدياد المشاريع نجد أنه يزج بالمهندسين
السعوديين حديثي التخرج إلى واجهة إدارات المشاريع الكبيرة بدون التأهيل والتدريب
الكافي، كذلك يزج بهم في دهاليز البيروقراطية التي تحولهم من مهندسين إلى إداريين
مما يبعدهم عن الأمور الفنية وازدياد الخبرات منها.
وللتغلب على نقص
الموارد البشرية الهندسية، لجَأَتْ الإدارات الحكومية إلى التعاقد المباشر مع
مهندسين أجانب والذي غطى النقص في الجوانب الفنية بشكل جزئي وذلك لعدم القدرة على
التعاقد مع كفاءات هندسية لانخفاض الرواتب المخصصة، كذلك الاعتماد على الموارد
البشرية الأجنبية العربية فقط والتي هي ذاتها تعاني انغماس في البيروقراطية
وانخفاض في الخبرات والتقنيات الهندسية لعدم احتكاكها بالخبرات العالمية التي
تتجدد باستمرار.
ومع ازدياد المشاريع
لجأت الإدارات الحكومية إلى العقود الاستشارات الهندسية والتي هي عقود توريد
مهندسين يعملون بشكل مباشر وتحت إدارة وتوجيهات الإدارات الهندسية، استطاعت هذه
العقود التغلب جزئياً عل مشكلة الكم والكيف، حيث مكنت هذه العقود من توريد مهندسين
بالعدد المطلوب، كذلك مكنت من تحسين في خبرات ومؤهلتهم لارتفاع الأجور لهذه العقود،
لم تصمد هذه العقود كثيراً أمام انحسار الميزانيات المخصصة وزيادة المنافسة بين
المكاتب للفوز بهذه العقود عن طريق تخفيض الأسعار والذي يعد المعيار الرئيسي
الكارثي لتقييم العروض.
في خضم التخبط أعلاه،
بدأت الهيئة الملكية بالجبيل وينبع بنموذج مختلف تماماً وهو الاعتماد الكلي على
بيوت الخبرة العالمية من بداية التخطيط الاستراتيجي ورسم خطط طويلة المدى لمدن
صناعية طموحه مرور بالتصميم الهندسي وإدارة المشاريع الإنشائية وانتهاءً بالصيانة
والتشغيل، تم التعاقد مع شركة بكتل العالمية في الجبيل وشركة بارسونز في ينبع،
نجحت هذه الشركات في إنجاز مدينتي الجبيل وينبع على مستوى عالمي من الناحية الفنية
والإدارية، وكذلك نجحت هذه الشركات من تأسيس وتدريب عقليات سعودية فذَّه استطاعت أن
تكمل مسيرة النجاح والمحافظة على المستوى العالي في الأداء، كل ذلك تم بسبب ما
استطاعت هذه الشركات توفيره من الموارد البشرية الخبيرة من مكاتبها في جميع أنحاء
العالم والتي تعمل ضمن نظام إداري عالمي شكلته خبراتهم المتراكمة لأكثر من١٠٠ سنة.
في الختام اعتقد أن
المشاريع الحكومية سوف تبقى متعثرة طالما ينقصنا الموارد البشرية الماهرة والتي لا
يمكننا حلها بين ليلية وضحاها، الهندسة حضارة والحضارة تحتاج إلى بنية تحتية من
التعليم الأساسي العلمي الذي يُمَكِّنْ أبنائنا من اجتياز مواد الهندسة في
الجامعات باقتدار وابداع بدلاً من تغيير التخصص بعد أول اختبار رياضيات أو فيزياء.
كذلك نحتاج أن نواجه
حقيقة مره أن اللغة الانجليزية هي لغة الهندسة والعلم وأنه بدون إجادة التخاطب
والكتابة لن يستطيع المهندس العمل والتدريب باحترافية، وأرى بأنه على المدى القصير
تحتاج الإدارات الحكومية اللجوء إلى بيوت الخبرة العالمية لتغطية النقص الفني
لديها واقترح أن يتم تأسيس الهيئة الملكية للمشاريع الحكومية تكون مسئولة عن
المشاريع المليارية ويشكل لها مجلس إدارة من وزارة المالية وأرمكو والهيئة الملكية
للإستفادة من خبرات وعقليات هذه الكيانات ويتم التعاقد الفني مع إحدى شركات بيوت
الخبرة العالمية لإدارة هذا الكيان.