السبت، 13 أغسطس 2011

اجيال قريتي والواسطة

لاحظت من خلال نقاشات السمر الرمضانية في ربوع قريتي في الجنوب حماس الكثير من الشباب ومنتصفي العمر والشيبان حول تأثير الواسطة في مجتمعنا واتهامهم الصريح لمن يصل لمراتب عليا من أبناء القرية أو أبناء الجنوب عموماً بالتقصير في التوسط ونفع أهل قريتهم أو منطقتهم بشكل عام خاصة في مجال التوظيف، أوضحت وجهت نظري حول موضوع الواسطة أنها مطلب اجتماعي يمكن قبولها لتسهيل إجراءات أو استخدام وجاهه للشفاعة في أمر ليس فيه مضرة عامة أو خاصة، إلا أنني وجدت أنني منفرد أمام تيار عارم من الهجوم المضاد والذي يرى أن الواسطة في مجال التوظيف أن توظف من لا يحمل المؤهل أو غير القادر لأن المؤهل والقادر قد لا يحتاج إلى الواسطة على غرار ما يفعله الكثير من أهل المناطق الأخرى.


خرجت من الأمسية وأنا أفكر في هذا الداء الاجتماعي الذي أصبح يعول عليه الشباب الكثير من إخفاقاتهم وجلست أفكر في أجيال أهل قريتي وهل فعلاً كانت الواسطة عقبة لتحقيق طموحاتهم في الحياة؟ وجدت أن أهل قريتي ينقسمون إلى ثلاثة أجيال كل جيل منها له ظروفه حسب الحقبة الزمنية التي عاشها.

 


الجيل الأول هم من هاجروا من القرية إلى المنطقة الشرقية بعد بدء عمل ارمكو الفعلي في بداية الخمسينيات وعملوا جميعاً كعمال في ارمكو وسكنوا الخيام ثم البركسات، وقد انخرطوا جميعاً في العمل جنباً إلى جنب مع أبناء القبائل والحاضرة من جميع أنحاء المملكة، كان أبي رحمه الله يحكي لنا أن شركة ارمكو أكرمتهم ووفرت لهم المأكل والملبس والسكن الكريم وانخرطوا جميعاً في التدريب وتعلم اللغة الإنجليزية، استمر عدد قليل من أبناء القرية في ارمكو وخرج الأكثر منهم للعمل في الأعمال الحرة والتجارة و شراء سيارات وتشغيلها تاكسي وذلك بعد ازدهار الحركة التجارية والصناعية في المنطقة الشرقية، والخلاصة أن أغلب هذا الجيل عاشوا ويعيشون حياة كريمة تمكن أغلبهم من تحقيق طموحاته وأصبح عدد غير قليل منهم من أصحاب الأعمال والشركات الخاصة، واعتقد بأن الواسطة بمفهومها الحالي لم تكن تخطر على بال أياً منهم  واعتمدوا على عصامية بحته في كفاحهم للوصول إلى مبتغاهم.

 

الجيل الثاني هم تقريباً من أبناء الجيل الأول والذين انخرطوا في الدراسة في بداية فتح المدارس النظامية في أواخر الستينات الميلادية، درس أغلب هذا الجيل في المدرسة الابتدائية الوحيدة التي افتتحت في أقرب الأسواق من القرية والذي يبعد قرابة الخمسة كيلومترات يقطعها أغلب الطلاب مشياً أما الأبناء القادرين فركوباً على الحمير، تخرج أغلبهم إلى المدرسة المتوسطة والتي كانت تبعد أكثر من ٣٠ كليومتر عن القرية، مع وعورة الطرق أدت إلى ضرورة سكنهم بالقرب من المدرسة مع أن أعمارهم لم تتجاوز الخامسة عشرة، وقد مررت مع أحد أبناء هذا الجيل بالقرب من موقع المدرسة القديم وأشار لي إلى أحد الدكاكين القديمة التي سكن فيها طوال فترة الدراسة وبدون أي تجهيزات لدورة المياه أو الكهرباء، اضطر غالبية هذا الجيل إلى السفر إلى المنطقة الشرقية لاستكمال الدراسة لعدم وجود ثانويات قريبة ولحاجتهم للدراسة والعمل، اجتمع أكثرهم في بيت العزوبية في الشرقية وانخرطوا جميعاً في العمل صباحاً والدراسة مساءً حتى أكمل أغلبهم الدراسة الثانوية وأغلق بيت العزوبية بعد مغادرتهم جميعاً إلى الرياض للدراسة الجامعية في جامعة الملك سعود، انخرطوا جميعاً في العمل والدراسة حتى التخرج والالتحاق بالوظيفة الحكومية بعد التخرج، وبدراسة سريعة لوضع هذا الجيل الثاني والذي تقاعد الكثير منهم اتضح وصول الكثير منهم إلى وظيفة مدير عام فأعلى وأنهم جميعاً تمكنوا بكل فخر من تحقيق طموحاتهم و لم أسمع أن أحد منهم انتظر من يتوسط له بل على العكس اتسم هذا الجيل بالكثير من التحدي بالتنقلات الوظيفية إذا وصولوا إلى طريق مسدود للترقية.


الجيل الثالث وهم جيل الطفرة والذي اعتقد أنني منهم والذين لم يحتاجوا أن يعملوا أثناء الدراسة وبدراسة سريعة لأصحاب هذا الجيل نجد أن من عمل بجد لإنهاء دراسته الجامعية أو التحق بالقطاع العسكري أو المدني بعد الثانوية جميعهم تمكنوا من تحقيق طموحاتهم.


وخلاصة القول أعتقد بأن هناك أسقف زجاجية لا محالة في أي مجتمع تنسجها نقاط الضعف المجتمعية فوق رؤوس أصحاب المجتمع تقف عائق أمام المتخاذلين والذين يبحثون عن أعذار لتبرير فشلهم، بينما المجدين المجتهدين يستطيعون بكل سهولة كسر هذه الأسقف الزجاجية وتحقيق ما تصبوا إليه أنفسهم، واعتقد أن أفضل ما نجهز به أبنائنا لمواجهة التحديات المحلية والعالمية هو تجهيزهم بالعلم النافع والذي به سوف يحتاجهم الناس ولن يحتاجوا الواسطة.

وهنا أذكر حديث دار بين أبي والدكتور محمد نسيم (من أوائل أطباء الأطفال في المملكة والذي منحه الملك فيصل رحمه الله مع الكثير من الأطباء الجنسية لتحفيزهم على البقاء في السعودية) رحمة الله عليهم جميعاً، حيث قال في معرض حديثه عن ابنه أنه يجب عليه أن يدرس الطب فقال له أبي لا تجبره على شيء لا يرغب فيه فأجاب "ابني سعودي و يتكلم العربية ولكنه سوف يظل في نظركم باكستاني والناس جميعاً تحتاج الطبيب ولا يهمها جنسيته أو أصله" وقد أعجبت أبي رحمه الله  هذه الحكمة وأخذ يكررها علينا كلما أرد تشجيعنا للتحصيل العلمي.



هناك تعليق واحد:

  1. " ابني سعودي و يتكلم العربيه ولكنه سوف يظل في نظركم باكستاني والناس جميعاً تحتاج الطبيب ولا يهمها جنسيته او اصله "

    ردحذف

الأسلوب القصصي في الكتابة والعروض

تخرجنا من الجامعة بمهاره جيده للكتابة باللغة الإنجليزية والتي تميز خريجين جامعة البترول عن غيرهم والتي ركزت عليها الجامعة في   السنة التحض...