خرجت في أحد أيام الصيف
الحار جداً فإذا بصوت غناء يصدر من أحد العمارات تحت الإنشاء المجاورة لبيتي،
اقتربت من مصدر الغناء فإذا به صادر من أحد عمالة اللياسة المصريين المعلق على
السقالة، سلمت عليه وطلبت أن ينزل لأكلمه فنزل مسرعاً يعتقد أن لدي عمل لياسة،
امتدحت عمله وسألته عن خبرته في اللياسة، فقال إنه يعمل معلم لياسة منذ أكثر من
عشر سنوات وأنه كان يعمل صبي لياسة (مساعد) في مصر منذ أن كان عمرة 13 سنة وإجمالي
خبرته في اللياسة والعمل الشاق في الظروف المناخية الشديدة أكثر من 20 سنة، أثمرت
سنوات التدريب لمثل هذا العامل في إنتاج رجل بموصفات خاصة مناسبة لمهنته وظروفها
فتجده (ما شاء الله تبارك الله) مفتول العضلات ذو أوردة وشرايين نافرة تغطي يديه
ورقبته تؤمن الكثير من الدم لعضلاته ودماغه مما يمكنه انجاز العمل وتحمل
حرارة الصيف بدون أن يفقد وعيه من ضربة الشمس.
دعتني
هذه المشاهدة للتفكير في إمكانية سعودة مثل هذه الأعمال وخلصت إلى نتيجة فورية بأنه
من المستحيل على أبناء السعودية العمل في مثل هذه الأعمال الشاقة لعدم وجود بنية
مهنية لمثل هذه المهن التي تحتاج إلى تدريب مضني من الصغر ليتمكن
من احتراف المهنة وتحمل أعبائها، كذلك يعيش المواطن مستوى من الرخاء
(مهما كان مستواه) يجعل مثل هذه المهن غير مجدية بالنسبة له.
ومن
خلال خبرتي في مجال البناء أرى بأن أفضل تقنيات البناء التي يمكن أن تساهم في سعودة
قطاع البناء والإنشاءات هي نفس الحلول التي تبناها الإسكندنافيتين والروس والتي
ساعدتهم في التغلب على نقص العمالة والظروف المناخية الشديدة البرودة، لقد
عمدوا إلى تحويل البناء من الموقع إلى المصنع، يتم ذلك باعتماد أنظمة بناء
تعتمد على تصنيع مكونات المبنى الرئيسية داخل المصنع ونقلها جاهزة إلى الموقع
لتركيبها بأسرع وقت وباستخدام الرافعات وبأقل عمالة ممكنة، دخلت هذه التقنية إلى سوق
البناء السعودي من الثمانيات تحت مسمى الخرسانة مسبقة الصب ولقيت
نجاح في المشاريع الكبيرة، إلا أنها لم تلق نجاح كبير في المشاريع
المتوسطة والصغيرة .
أرى بأن
هذه التقنية واعده لتوظيف الكثير من السعوديين إذا استطاع قطاع البناء الاتفاق على
مواصفات قياسية لعناصر البناء ليمكن تصنيعها بشكل صناعي في مصانع ذات تقنية عالية
بعيداً عن العوامل المناخية القاسية، لقد تمكن قطاع البناء في روسيا من الاتفاق
على مواصفات قياسية للقواعد والأعمدة والجسور وبلاطات الأسقف وتضمينها في كتالوج
جاهز يلتزم به المهندس والمقاول والمصنع، يوضح هذا الكتالوج المقاسات القياسية
لهذه العناصر وقدرة تحملها الإنشائي ليتمكن المهندس الإنشائي من اختيار العناصر الإنشائية
المناسبة للتصميم من هذا الكتالوج ويقوم صاحب المصنع بإنتاج هذه العناصر بكميات
تساهم في تخفيض التكلفة ويقوم المقاول بشراء هذه العناصر الجاهزة للتركيب عند
طلبها مما يساهم في انجاز المشروع بأسرع وقت.
اعتقد
أن الوقت مناسب جداً لتبني مثل هذه التقنيات خاصة من قبل وزارة الإسكان التي لديها
العدد الكافي من المباني والمشاريع يضمن قدرتها على فرضها مع فرض سعودة خطوط الإنتاج
التي يمكن أن يعمل فيها الشباب السعودي تحت ظروف بيئة تمكنهم من الاستمرار والإنتاج.
"تحويل البناء من الموقع الي المصنع" هذا مثال على التفكير خارج الصندوق
ردحذف