من خلال متابعتي لما
يجري في اقتصادنا المحلي بشكل خاص والعالمي بشكل عام، "قل لي عقلي"
(والتي اعتاد أحد الزملاء تكرارها كلما أتته فكرة جديدة) أن أكتب مقال عن
الصناعة الوطنية والتي وجدت نفسي متعلقة بها منذ صغري.
نعم
من أول رحلة مدرسية قمنا بها لمصنع الزامل فريدريك للمكيفات كما كان يسمى آنذاك وانبهاري
الشديد بخطوط الإنتاج والانبهار الأكثر عندما أشار إلينا مرشد الرحلة إلى شاب
سعودي بلباس الجينز وقميص مقلم "هذاك الزامل" مع المهندسين الأمريكان،
كان شاباً يافعاً حاد الملامح ويناقش باهتمام شديد وكان ذلك عام ١٩٧٩م في الصناعية
الأولى والتي لم يكن فيها إلا مصنع المكيفات وعدد من المصانع تحت البناء، تطورت
شركة الزامل بشكل كبيرة خلال ٣٧ سنة الماضية وأصبحت من الشركات الوطنية التي
تصدر منتجاتها من التكييف والمباني الحديدة إلى أصقاع الأرض، وأتذكر أنني في إحدى
الرحلات بالطائرة قبل ١٥ سنة كان بجواري ياباني يعمل في السفارة اليابانية وقال أنهم
عملوا مسح للشركات العائلية في المملكة وخلصوا أن شركة الزامل من أفضل الشركات
الواعدة إذا استطاعت إبعاد مشاكل العائلة عن الشركة، وأظنهم استطاعوا بتحويل الشركة
إلى مساهمة عامة وحصل النمو والنجاح المتوقع الواضح في القوائم المالية التي أصبحت
مليارية.
أوردت
المثال السابق لشركة الزامل لأنها نموذج ناجح للصناعة الوطنية التي استطاعت أمام أعيننا
إثبات أن الصناعة الوطنية المتوسطة والصغيرة قادرة على النمو والاستمرار رغم
المنافسة الصينية وإغراق الأسواق المحلية بالمنتجات من جميع أنحاء العالم، وللمناقشة
الموضوعية والبعد عن العواطف التي لا تصنع اقتصاد أود طرح روافد نجاح
الصناعة والسلبيات التي تعوق نموها وتطورها.
المدن
الصناعية من أهم روافد نجاح الصناعة المحلية والتي وفرت الأرض والبنية التحتية
بأسعار مدعومة سهلت استثمار الصناعيين في خطوط الإنتاج وما تحتاجه من رأس مال عامل
بدل من استهلاك السيولة في شراء أرض وايصال الخدمات لها والتي كان لها الأثر
الكبير في قدرة المنتجات الوطنية على التنافس.
قامت وزارة الصناعة بتأسيس
هيئة المدن الصناعية – مدن لتعمل بمعزل عن بيروقراطية الوزارة وتسهل الصناعة وقد
كانت إضافة إيجابية هامة مكنت من إنجاز المعاملات إلكترونياً وطورت مدن صناعية
جديدة، إلا أن مدن أتت بأعباء مالية إضافية على الصناعة تمثلت في رفع الإيجار
والرسوم الشهرية من تاريخ إصدار رخص البناء إلى أن يتم التشغيل الصناعي والذي زاد
الأعباء المالية على المشاريع الصناعية وأخرج الكثير منها من جدواه الاقتصادية
وتوفر السيولة على المدى القريب والذي تكون فيه المصانع في أمس الحاجة للسيولة
النقدية لإكمال خطوط الإنتاج وتحمل تكاليف إدخال المنتجات في السوق والمنافسة مع
المنتجات الأجنبية وتحمل تكاليف تدريب السعوديين، أرى بأنه يجب إعادة دراسة تكاليف
الأراضي الصناعية من قبل مدن وإعادة توزيع هذه التكاليف بعد السنة الأولى من الإنتاج
مساعدة المصانع لتخطي الصعاب في فترة التأسيس.
القروض
الصناعية عن طريق صندوق التنمية الصناعي وفرت سيولة نقدية موجهة للصناعة بشكل خاص
أراها الأساس الذي قامت علية الصناعة ليس فقط من الناحية المالية بل من جميع النواحي
التسويقية الفنية والقانونية، لقد نجح الصندوق في تأسيس نظام صارم للمنح القروض
مكن من رفع مستوى الصناعية وتوجيهها إلى الصناعات ذات الجدوى الاقتصادية والتي
تناسب احتياجات الوطن من الصناعات المختلفة، وتمكن الصندوق من تطوير خبراته
المحلية إلى أن أصبح اعتماد الصندوق للقرض يمثل شهادة ولادة للمصانع السعودية.
أحد الشباب عرض مشروع
صناعي على أحد رجال الأعمال المخضرمين فقال له: قدم يا ولدي على الصندوق فإذا
اعتمده شاركتك، أرى أن الصندوق يحتاج إلى زيادة الدعم بزيادة مخصصاته المالية
المتاحة للإقراض وأخذ دور المبادرة في خلق الفرص الصناعية وتجهيزها للاستثمار بما
يملك من خبرات متراكمة وموارد وطنية خبيرة ولله الحمد، أرى أن هناك فرص كبيرة جداً
لتصنيع الملابس في المدن الصغيرة والتي يمكن للرجال والنساء بمختلف الأعمار العمل
فيها شريطة أن يتم منع استيرادها من الخارج مثل ما فعلت تركيا، ويمكن أن يتم تأسيس
مثل هذه المصانع كتعاونيات تدار بطريقة الجمعيات التعاونية والتي يكون العاملين هم
الملاك، مثل هذه المشاريع لن يستطيعها إلا الصندوق بالتعاون مع وزارة الصناعة والشئون
الاجتماعية.
حماية
الصناعة الوطنية بفرض الرسوم الجمركية على المستورد المنافس لها كان ولايزال من أهم
مقومات الصناعة الوطنية والتي تطبق من قبل أغلب دول العالم وتصل الحماية إلى منع
الاستيراد مطلقاً لمنتجات تستطيع الصناعة الوطنية الاكتفاء منها كما ونوعاً، يتم
فرض رسوم جمركية ٢٠٪ على المنتجات التي لها منافس وطني ولكن ذلك يحتاج الكثير من
الوقت والبيروقراطية لإثباته واقترح أن يتم التنسيق بين الجمارك ووزارة الصناعة
وصندوق التنمية بأن يتم فرض الرسوم بعد دخول المنتجات الوطنية إلى السوق وأن يتم
ذلك بطريقة آلية.
استخدام
القوة الاستيرادية الاستهلاكية للمملكة للضغط على الشركات المصدرة لنا لإقامة
مصانع محلية والذي تسعى شركة أرامكو السعودية تطبيقية تحت
مسمى "اكتفاء" حيث تشترط قيام الشركات العالمية بالتصنيع المحلي
لمنتجاتها ليصل إلى ٧٠ ٪ من التوريدات التي تحتاجها أرامكو ويكون ذلك على مراحل
على عدة سنوات، نحتاج مثل هذا البرنامج أن يطبق في وزارة الدفاع والداخلية والصحة
ومحطات التحلية والذي سوف يكون له أثر كبير في توطين التقنية والصناعة .
تأسيس
هيئة للصانعين على غرار هيئة المقاولين والتي أرى أنها مهمة جداً في هذا الوقت لترتيب
أوضاع الصناعة والتنسيق بين الصناعيين للوقوف أمام الإغراق وتمثيل الصناعيين أمام
الجهات التنظيمية المختلفة ومساعدتها على إصدار وتعديل الأنظمة المتوازنة، وأرى أن
يتم دمجها مع هيئة تنمية الصادرات لتوحيد الجهود.
وأخيراً أنا مقتنع أننا
نحتاج أن نصنع ما نستهلك ونأكل ونلبس ثم نصنع لنصدر ومقتنع بأن أغلب الصناعات
مجدية لدينا وقادرة على المنافسة إذا توفر لها البيئة التنظيمية المشجعة وليست
الطاردة مثل ما يحدث في أغلب دول العالم والتي تفرح مدنهم بإقامة المصانع وتتنافس
بالتسهيل لها لخلق الوظائف، نحتاج أن نفرح عندما يجد أبنائنا وظائف وبناء مستقبل
وظيفي في المصانع السعودية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق