الأربعاء، 5 أبريل 2017

صناعة في البلد أمان من الفقر


من خلال متابعتي لما يجري في اقتصادنا المحلي بشكل خاص والعالمي بشكل عام، "قل لي عقلي" (والتي اعتاد أحد الزملاء تكرارها كلما أتته فكرة جديدة) أن أكتب مقال عن الصناعة الوطنية والتي وجدت نفسي متعلقة بها منذ صغري.


نعم من أول رحلة مدرسية قمنا بها لمصنع الزامل فريدريك للمكيفات كما كان يسمى آنذاك وانبهاري الشديد بخطوط الإنتاج والانبهار الأكثر عندما أشار إلينا مرشد الرحلة إلى شاب سعودي بلباس الجينز وقميص مقلم "هذاك الزامل" مع المهندسين الأمريكان، كان شاباً يافعاً حاد الملامح ويناقش باهتمام شديد وكان ذلك عام ١٩٧٩م في الصناعية الأولى والتي لم يكن فيها إلا مصنع المكيفات وعدد من المصانع تحت البناء، تطورت شركة الزامل بشكل كبيرة خلال  ٣٧ سنة الماضية وأصبحت من الشركات الوطنية التي تصدر منتجاتها من التكييف والمباني الحديدة إلى أصقاع الأرض، وأتذكر أنني في إحدى الرحلات بالطائرة قبل ١٥ سنة كان بجواري ياباني يعمل في السفارة اليابانية وقال أنهم عملوا مسح للشركات العائلية في المملكة وخلصوا أن شركة الزامل من أفضل الشركات الواعدة إذا استطاعت إبعاد مشاكل العائلة عن الشركة، وأظنهم استطاعوا بتحويل الشركة إلى مساهمة عامة وحصل النمو والنجاح المتوقع الواضح في القوائم المالية التي أصبحت مليارية.


أوردت المثال السابق لشركة الزامل لأنها نموذج ناجح للصناعة الوطنية التي استطاعت أمام أعيننا إثبات أن الصناعة الوطنية المتوسطة والصغيرة قادرة على النمو والاستمرار رغم المنافسة الصينية وإغراق الأسواق المحلية بالمنتجات من جميع أنحاء العالم، وللمناقشة الموضوعية والبعد عن العواطف التي لا تصنع اقتصاد أود  طرح روافد نجاح الصناعة  والسلبيات التي تعوق نموها وتطورها.
المدن الصناعية من أهم روافد نجاح الصناعة المحلية والتي وفرت الأرض والبنية التحتية بأسعار مدعومة سهلت استثمار الصناعيين في خطوط الإنتاج وما تحتاجه من رأس مال عامل بدل من استهلاك السيولة في شراء أرض وايصال الخدمات لها  والتي كان لها الأثر الكبير في قدرة المنتجات الوطنية على التنافس.

قامت وزارة الصناعة بتأسيس هيئة المدن الصناعية – مدن لتعمل بمعزل عن بيروقراطية الوزارة وتسهل الصناعة وقد كانت إضافة إيجابية هامة مكنت من إنجاز المعاملات إلكترونياً وطورت مدن صناعية جديدة، إلا أن مدن أتت بأعباء مالية إضافية على الصناعة تمثلت في رفع الإيجار والرسوم الشهرية من تاريخ إصدار رخص البناء إلى أن يتم التشغيل الصناعي والذي زاد الأعباء المالية على المشاريع الصناعية وأخرج الكثير منها من جدواه الاقتصادية وتوفر السيولة على المدى القريب والذي تكون فيه المصانع في أمس الحاجة للسيولة النقدية لإكمال خطوط الإنتاج وتحمل تكاليف إدخال المنتجات في السوق والمنافسة مع المنتجات الأجنبية وتحمل تكاليف تدريب السعوديين، أرى بأنه يجب إعادة دراسة تكاليف الأراضي الصناعية من قبل مدن وإعادة توزيع هذه التكاليف بعد السنة الأولى من الإنتاج مساعدة المصانع لتخطي الصعاب في فترة التأسيس.


القروض الصناعية عن طريق صندوق التنمية الصناعي وفرت سيولة نقدية موجهة للصناعة بشكل خاص أراها الأساس الذي قامت علية الصناعة ليس فقط من الناحية المالية بل من جميع النواحي التسويقية الفنية والقانونية، لقد نجح الصندوق في تأسيس نظام صارم للمنح القروض مكن من رفع مستوى الصناعية وتوجيهها إلى الصناعات ذات الجدوى الاقتصادية والتي تناسب احتياجات الوطن من الصناعات المختلفة، وتمكن الصندوق من تطوير خبراته المحلية إلى أن أصبح اعتماد الصندوق للقرض يمثل شهادة ولادة للمصانع السعودية.

أحد الشباب عرض مشروع صناعي على أحد رجال الأعمال المخضرمين فقال له: قدم يا ولدي على الصندوق فإذا اعتمده شاركتك، أرى أن الصندوق يحتاج إلى زيادة الدعم بزيادة مخصصاته المالية المتاحة للإقراض وأخذ دور المبادرة في خلق الفرص الصناعية وتجهيزها للاستثمار بما يملك من خبرات متراكمة وموارد وطنية خبيرة ولله الحمد، أرى أن هناك فرص كبيرة جداً لتصنيع الملابس في المدن الصغيرة والتي يمكن للرجال والنساء بمختلف الأعمار العمل فيها شريطة أن يتم منع استيرادها من الخارج مثل ما فعلت تركيا، ويمكن أن يتم تأسيس مثل هذه المصانع كتعاونيات تدار بطريقة الجمعيات التعاونية والتي يكون العاملين هم الملاك، مثل هذه المشاريع لن يستطيعها إلا الصندوق بالتعاون مع وزارة الصناعة والشئون الاجتماعية.


حماية الصناعة الوطنية بفرض الرسوم الجمركية على المستورد المنافس لها كان ولايزال من أهم مقومات الصناعة الوطنية والتي تطبق من قبل أغلب دول العالم وتصل الحماية إلى منع الاستيراد مطلقاً لمنتجات تستطيع الصناعة الوطنية الاكتفاء منها كما ونوعاً، يتم فرض رسوم جمركية ٢٠٪ على المنتجات التي لها منافس وطني ولكن ذلك يحتاج الكثير من الوقت والبيروقراطية لإثباته واقترح أن يتم التنسيق بين الجمارك ووزارة الصناعة وصندوق التنمية بأن يتم فرض الرسوم بعد دخول المنتجات الوطنية إلى السوق وأن يتم ذلك بطريقة آلية.


استخدام القوة الاستيرادية الاستهلاكية للمملكة للضغط على الشركات المصدرة لنا لإقامة مصانع محلية والذي تسعى شركة أرامكو السعودية تطبيقية تحت مسمى "اكتفاء" حيث تشترط قيام الشركات العالمية بالتصنيع المحلي لمنتجاتها ليصل إلى ٧٠ ٪ من التوريدات التي تحتاجها أرامكو ويكون ذلك على مراحل على عدة سنوات، نحتاج مثل هذا البرنامج أن يطبق في وزارة الدفاع والداخلية والصحة ومحطات التحلية والذي سوف يكون له أثر كبير في توطين التقنية والصناعة .
تأسيس هيئة للصانعين على غرار هيئة المقاولين والتي أرى أنها مهمة جداً في هذا الوقت لترتيب أوضاع الصناعة والتنسيق بين الصناعيين للوقوف أمام الإغراق وتمثيل الصناعيين أمام الجهات التنظيمية المختلفة ومساعدتها على إصدار وتعديل الأنظمة المتوازنة، وأرى أن يتم دمجها مع هيئة تنمية الصادرات لتوحيد الجهود.


 وأخيراً أنا مقتنع أننا نحتاج أن نصنع ما نستهلك ونأكل ونلبس ثم نصنع لنصدر ومقتنع بأن أغلب الصناعات مجدية لدينا وقادرة على المنافسة إذا توفر لها البيئة التنظيمية المشجعة وليست الطاردة مثل ما يحدث في أغلب دول العالم والتي تفرح مدنهم بإقامة المصانع وتتنافس بالتسهيل لها لخلق الوظائف، نحتاج أن نفرح عندما يجد أبنائنا وظائف وبناء مستقبل وظيفي في المصانع السعودية.

الأربعاء، 15 فبراير 2017

البنية السطحية لم تعد تكفي

تعاني المدن والمناطق الحضرية السعودية من مشاكل تتكرر بشكل سنوي موسمي كل عام، شتاءً نفرح بهطول الأمطار ولكن فرحتنا تتبدد بفيضانات الشوارع... لا أعتقد أننا نفرح بقدوم الصيف لا بفرحتنا بموسم الرطب والحبحب ونوم التكييف البارد التي ينغصها مشاكل انقطاعات التيار الكهربائي، ورغم أننا نعاني من شح المياه وارتفاع تكاليفها إلا أن مدننا تعاني من نزيف مستمر للمياه من شبكات المياه بسبب التسريبات الناتجة عن سوء الصيانة أو انتهاء العمر الافتراضي لهذه الشبكات والتي لا يعلم عنها أحد لأنها مدفونة، ونعاني صيفاً وشتاءً من حفريات الشوارع التي في غالبها ردود فعل سريعة لحل مشاكل تصريف مياه الأمطار أو تمديدات كهربائية للاستجابة لزيادة الأحمال صيفاً أو إصلاحات لشبكات المياه.

والمشكلة الأساسية في نظري تكمن في محاولتنا حل مشاكل مدننا بحلول البنية السطحية حيث تعتمد مدننا في جلها على تصريف مياه الأمطار سطحياً باختلاف مناسيب الشوارع والمخططات وهذا مستخدم حتى مع وجود أنابيب تصريف مياه الأمطار في بعض المناطق المطورة حديثاً حيث لا تجد هذه الأنابيب نظام مركزي للتصريف وينتهي بها الأمر في أحد المواقع المفتوحة والتي لم يصلها العمران. طريقة التصريف السطحية قد تعمل بشكل جيد في المدن الصغيرة التي لا يوجد بها رقعه سكانية كبيرة ويوجد بها مواقع تصريف صحراوية يمكنها امتصاص مياه الأمطار، إلا أنها غير مجدية في المدن الكبيرة التي أصبحت رقعة المباني والشوارع المسفلتة كبيرة جداً وأصبحت أدوات تجميع فعالة لمياه الأمطار أو وديان صناعية تجعل من المستحيل تجميعها بالطرق السطحية.

وكذلك الحال بالنسبة لمشكلة زيادة الأحمال الكهربائية في الصيف بسبب أحمال التكييف نظراً للاستخدام السائد لأنظمة التكييف النافذية أو المنفصلة والتي تعتبر الأسوأ في جميع أنظمة التكييف من ناحية استخدام الطاقة نظراً لعدم إمكانية ترشيد أو المشاركة في أحمال التكييف للضعف التقني لمثل هذه الأنظمة. ومع التقدم التقني أصبحت المدن الحديثة تعتمد على أنظمة تكييف وتدفئة مركزية ليس على مستوى المبنى فقط وإنما على مستوى المدن حيث يتم تبريد المياه في محطات تبريد مركزية كبيره عالية الكفاءة في استخدم الطاقة وكذلك استخدام الطاقة الحرارية المهدرة من مولدات الطاقة الكهربائية فيما يعرف بالتوليد المزدوج، هذا بالإضافة إلى قدرة هذه الأنظمة لترشيد استهلاك الكهرباء خلال فترات الذروة عن طريق تخزين طاقة التبريد خارج أوقات الذروة، واعتقد بأنه حلم لكل مواطن أو مستثمر أن يتخلص من أجهزة التكييف في مشروعه مع تبعاتها من تمديدات كهربائية عالية التكاليف وتوصيل مشروعه بأنبوب مياه التكييف الباردة ويتم محاسبته على أساس طاقة التكييف المستخدمة بواسطة عداد خاص بذلك.

ولتتمكن مدننا من التخلص من التصريف السطحي للأمطار واستخدام أنظمة تكييف المدن الحديثة فإنها تحتاج إلى بنية تحتية من أنفاق الخدمات العميقة والتي يتم إنشائها تحت الأرض بأعماق تمنع التعارض مع المباني والمنشئات السطحية، وقد أصبح ذلك ممكناً مع التطور الكبير في معدات وآلات الحفر التي يمكنها حفر أنفاق عميقة بأقطار كبيرة بدون التأثير على المباني والمنشئات السطحية، سوف تمكن هذه الأنفاق من تصريف مياه الأمطار وتحوي التمديدات الخاصة بالكهرباء ومياه التبريد المركزية وكذلك تمديدات المياه والاتصالات والتي يشهل صيانتها داخل هذه الأنفاق،  واعتقد بأنه أصبح الوقت مناسب لإنشاء مثل هذه الأنفاق عن طريق تأسيس شركة حكومية لهذا الغرض وذلك لارتفاع التكاليف الرأسمالية لمثل هذه الأنفاق وإمكانية إهلاك هذه التكاليف على سنوات طويلة، وسوف يكون الدخل الرئيسي لهذه الشركة عن طريق رسوم الانتفاع لاستخدام هذه الأنفاق لشركات الخدمات التي تستخدم هذه الأنفاق، ويمكن أن شركات الخدمات مثل شركة الاتصالات والكهرباء والمياه وشركات متخصصة في التكييف المركزي للمدن (الذي سوف يصبح ذا جدوى في وجود مثل هذه الأنفاق) كشركاء مؤسسين في هذه الشركة، وأرى بأن مثل هذه الحلول للبنية التحتية ليس بجديد ومطبق في جميع الدول المتقدمة والتي يخدم مدنها شبكة من أنفاق الخدمات مكنت المدن من التوسع في الخدمات بصمت وتكاليف منخفضة، واعتقد بأن الوقت مناسب جداً لمثل هذه المشاريع في مدننا الكبيرة والتي أصبحت ولله الحمد تضاهي أكبر المدن العالمية في تقدمها وإمكانياتها. 

وقد يكون ما قمت بطرحه في هذا المقال حلم قد يرى الكثيرين أنه يصعب تحقيقه في ضل تعثر الكثير من المشاريع الحكومية فوق الأرض فكيف ببنية تحتية بأنفاق تحت الأرض!!!!! إلا أنني مؤمن بأنه يجب علينا عدم التوقف عن الأحلام وخاصة إذا كان لدينا مقومات تحقيقها.

وأخيراً أود أن أضيف أن الأنفاق ووجودها تحت الأرض لن تحتاج إلى نزع ملكيات!!! لأنه حسب معرفتي القانونية المتواضعة تقتصر الملكية العقارية لما فوق هو فوق الأرض وجميع ما تحت الأرض من أنفاق وموارد معدنية تملكها الدولة وهذا بدوره قد يسهل مهمة تحقيق الحلم.

الجمعة، 17 يونيو 2016

الأجنبي في حياتي

الأجنبي لفظ دارج بيننا معشر السعوديين نطلقه على كل من هو غير سعودي أو غير خليجي ونطلقه على العرب والعجم والمسلمين وغير المسلمين ممن قدموا إلينا للعمل فيما لم نستطيع إتقانه أو لا نرغب في ممارسته.

قررت أن أكتب هذه المقالة بعدما دخلت في مناقشات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي حول علاقتنا بالأجانب من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، وقد رأيت أن أسرد تجاربي وخبراتي الشخصية في العمل والدراسة مع مختلف الجنسيات على مر تاريخي الدراسي والعملي والتي أرجو أن أستخلص منها ما يفيد.


كان أول معرفتي واحتكاكي بالأجانب عندما كان عمري خمس سنوات حينما تعرفنا على جارنا الفلسطيني "أبو سناء"، كان أبو سناء يعمل في أحد الشركات وكنا نستغرب ملابسهم وأكلهم وطريقة معيشتهم المختلفة كليا عنا، حيث قدمنا للتو من القرية وهم كانوا قادمين من لبنان والأردن.

كنا نستغرب أن أم سناء تجيد القراءة والكتابة وتعلم أطفالها وهي تطبخ، تعلمت أمي رحمها الله الكثير من أم سناء وخاصة الطبخ الشامي واستخدام زيت الطبخ بدلاً عن السمن، كان أبي رحمه الله ينظر إلى أبو سناء باحترام شديد واجلال ويقول هذا متعلم ويعرف اللغة الإنجليزية وكيف استطاع بعلمه أن يتغلب على احتلال بلده ويعيش في السعودية أفضل عيشة من أهلها.

كان أبو سناء محافظ جداً على الصلاة وقراءة القرآن وصيام رمضان والست من شوال وكنا نستغرب تناقض هذه المحافظة الدينية مع طريقة لبس عائلته للقصير وعدم تغطية الشعر وعدم لبس العباية والذي كان سائداً في الستينات والسبعينات الميلادية.


كانت أمي رحمها الله ترسلني لأذاكر مع أبناء أم سناء والتي كانت تجمعنا على طاولة الطعام في المطبخ والذي أتذكر تفاصيله جيداً والتي لا تختلف عن مطابخنا الحالية، بعد أكثر من 40 سنة كانت تعلمنا العربي والإنجليزي والحساب بكل حماس وهي تطبخ وهي تعمل المخللات وهي تعمل الخبز بالزعتر، كانت طريقة حياتهم مختلفة زاخرة بألوان في الطعام والشراب والملبس ارتبطت في اذهاننا جميعا بطريقة حياة الأجانب حتى شرب المياه، كانوا يشربون مياه "الصحة" في قوارير ونستغرب أنهم يشترونها بينما نحن نشرب من مياه "البزبوز" التي لا نعرف أنها مالحة إلا بعد عودتنا من الجنوب.


تمكن أبي رحمة الله عليه من الكفاح وتحسين مستوى معيشتنا بالمكيف وتفصيل مطبخ بلدي (لا يرقى إلى مطبخ أم سناء) ولكنه أصبح ضروري لاستيعاب قدور وصحون أمي بعد أن تعلمت الكثير من الطبخات التي أضافت على مائدتنا الكثير من الألوان.


كان أبي يعمل بنفسه في قلاب يملكه ولما تطور العمل وظف عدد من الأقارب لسياقة القلابات الإضافية والذي يعمل معهم يومياً ويحاسبهم باليومية.

مع بداية الطفرة العمرانية منتصف السبعينات أصبح هناك شح شديد في اليد العاملة والذي غطته العمالة اليمنية وبالتدريج اختفى العامل والسائق السعودي لانفتاح الفرص أمامهم في العسكرية والأعمال الحرة وأصبح جميع العاملين عند والدي رحمة الله من الجنسية اليمنية وبعض العمانيين الذين اختفوا من سوق العمل السعودي بعد تولي السلطان قابوس الحكم.


كنت ألزم أبي رحمه الله في العطل الصيفية في العمل من الصباح حتى المساء وكان رحمه الله يعامل العمالة اليمينة التي تعمل معه برحمة شديدة تكاد تكون أقرب إلى الأبوة والتي لم تؤثر في حزمه وعدم قبوله للكسل وانخفاض الإنتاجية، كان يأكل معهم ويلاطفهم ويعطيهم السلف لإرسالها إلى أهلهم وكان حريص أشد الحرص على استلامهم مرتباتهم وحقوقهم رغم عدم وجود أي أنظمة للعمل والعمال، كل هذا جعل للوالد رحمه الله الكثير من السمعة الطيبة لدى مجتمع العمالة اليمينة وصلت قرى اليمنيين وجعلهم يشدون الرحال من اليمن للعمل مع "أبو علي"، كذلك حصل رحمه الله على ولاء وإخلاص من العمال جعل الكثير منهم يعمل لدية لأكثر من 30 سنة ويخلصون له في العمل والأمانة مما مكنه من نجاحات كبيرة.


دخلت الثمانينات وازدادت معها تعقيدات وتقنيات الأعمال والتي نقلتها من الأعمال اليدوية إلى المصانع والمعدات الكبيرة ذات الإنتاجية العالية والتقنيات المعقدة، لم تستطع العمالة اليمنية مواكبة هذه التقنيات كماً وكيفاً والذي دعا الدولة السماح باستقدام العمالة الاسيوية، كانت تايلند أول وجهه لاستقدام العمالة لشركة أبي رحمه الله، وقد كان للعمالة التايلندية التأثير الإيجابي على العمل من أول يوم وصولهم لما يتمتعون به من المهنية وتعدد المهارات واهتمامهم الشديد بالعمل والمعدات خصوصا.

كان سائق المعدة يهتم بمعدته مثل أحد أبنائه ويتعهدها بالصيانة والنظافة بدون أي تعليمات والذي لم نعهده في العمالة اليمينة أو السعودية، كان أغلب العمالة التايلندية يجيد اللحام والنجارة والحدادة كمهارات ثانوية بالإضافة إلى عملة.


في المدراس كان مدرسين القواعد والحساب والعلوم من مصر والأردن وسوريا ومدرسين القرآن والمواد الدينية والاجتماعية والفنية سعوديين (وللأسف لازال الوضع على ما هو عليه في مدراس أبنائي الخاصة)، كان المدرسين المصريين مميزين جداً ومعلمين محترفين، بينما كان "الشوام" كما كنا نسميهم قاسين ويستخدمون الضرب المبرح حتى بالحذاء، كنت أشكوا لأبي رحمه الله أن أحدهم ضرب الفصل كلة بالحذاء، قال "تستأهلون" كان الطلاب الأجانب من مصريين وفلسطينيين وسوريين مهتمين جداً بالدراسة ومهما أبدينا من اهتمام لم نستطع أن نبلغهم تحصيلاً ودرجات، عرفت سبب هذا الاهتمام الكبير بالدراسة عندما ذهبت مع أبي إلى عيادة الدكتور نسيم (طبيب الأطفال الباكستاني الذي حصل على الجنسية السعودية)، كانت شقته في الدور السابع وعندما كنا نتسلق الدرج سمعنا صوت بكاء طفل وشجار وصلنا دور الشجار فإذا بشخص شامي الملامح يضرب ابنه بطريقة عنيفة جداً لأنه لم يحفظ جدول الضرب  تدخل أبي ومنعه قائلاً: أنت تبغى تعلمه ولا تذبحه، قال يا أخي هذا فلسطيني إذا ما تعلم انرمى في الشارع، أكملنا المشوار وأبي يقول شفت كيف يهتمون بتعليم أبنائهم.
دخلنا على الدكتور نسيم رحمه الله والذي احتفل بأبي وأخذه بالحضن الباكستاني العريض قائلاً: كم سعر "الكنكري" يا بوعلي،  واذكر أن أمي رحمها الله كانت تتضايق من اهتمامه بالكنكري عندما يكون أحد أبنائها مريض، كان مهتم بسعر الكنكري  لأنه يبني عمارات بعد أن حصل مع العديد من الأطباء بأمر من الملك فيصل رحمه الله  لتشجيعهم على البقاء في المملكة، قال الدكتور نسيم لوالدي بعربية مكسرة: أبو علي لازم اهتمام تعليم لابنك يصير طبيب، أنا إبني لازم يصير طبيب حتى يلاقي شغل حتى في جيزان.

استمرت علاقة عائلتنا بالدكتور نسيم إلى الجيل الثالث، وإلى أن تقاعد عن العمل رحمه الله.

تخرج ابن الدكتور نسيم طب من جامعة الملك فيصل وبعثه على نفقته إلى أمريكا للإكمال دراسته، وقد كان يدرس معي في الثانوية ويتكلم العربية باللهجة الدمامية .


 كان الدكتور محمد ظفر مثل الدكتور نسيم، دكتور باطنية متجنس وكان هو الآخر طبيب العائلة والأقارب لتخصص الباطنية وقد أكمل أحد أبنائه مسيرة والده في العيادة.


قُبلتُ في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في أوائل الثمانيات وكان معظم الأساتذة في ذلك الوقت من الأمريكان والبريطانين والعرب والقليل من السعوديين، كان نظام جامعة البترول آنذاك يشترط نسبة عالية من المدرسين الأجانب من الدول المتقدمة لضمان جودة التعليم والالتزام.


هذه النظام مكن الجامعة من الحصول على اعتمادات مالية عالية لتتمكن من تغطية تكاليف الكادر التعليمي وتوفير بيئية سكنية عالية المستوى تمكن من استمرارهم في الجامعة أطول وقت ممكن.
تخرجت عام 1986م ووجدت وظيفة في إحدى الإدارات الهندسية بعد أن علمت أن لديهم مشاريع كبيرة، طلبت أن أعمل في القسم الهندسي فكان رد شؤون الموظفين: "أيش تبي به كله أجانب" فقلت أزين وأزين أبي أتعلم منهم، دخلت قسم أنظمة الميكانيكية لأنه كان تخصصي الدقيق وكان رئيس القسم المهندس عطا باكستاني والذي استغرب اختياري للقسم وبدأت العمل، كان القسم الهندسي بالكامل فيه 95 مهندس ورسام كلهم أجانب ما عدى 3 رسامين سعوديين وأنا.

 كان العمل الهندسي آنذاك مضني جداً بسبب الرسم والتحبير اليدوي وكانت الإنتاجية عالية جداً بسبب صرامة العمل، كنت أذهب لأحضر الشاهي وأعمل معي الشاهي للمهندس عطا والذي كان له الأثر الكبير على نفسياتهم والذي كان محط استهجان الزملاء السعوديين وكان ردي  بأني اعتبرهم معلمين لي ويجب تقديرهم واحترامهم، استفدت كثيراً من عملي في القسم الهندسي والذي لا أنساه إلى اليوم.
وأخيراً من الجولة السابقة في بعض محطات حياتي يتضح التأثير الإيجابي والخبرات الكبيرة التي اكتسبتها من ممارساته الحياتية مع من نسميهم "الأجانب" والذي كان لهم دور أساسي في تكويني الإنساني والمهني  والقيادي.

اعتقد أننا أفضل شعب في العالم في التعامل مع الأجانب ولكن ينغص هذا التعامل بعض السلبيات التي تطغى على الإيجابيات، من هذه السلبيات التعالي بالجنسية واستغلال سطوة الكفيل في التنكيل والظن أن الاستقدام والكفالة تعطي الحق بالاستعباد، تطغى هذه السلبيات لأنها تدخل في أعماق الأنفس البشرية وتترك جروح غائرة وتترك أثر سيّء علينا جميعاً على المستوى العالمي، اعتقد أننا معشر السعوديين نحتاج أن نتصالح مع أنفسنا أولاً  وأن نبعد عنا السلبيات المناطقية والقبلية التي نفرغها على بَعضُنَا وإن لم نجد أحداً منا أفرغناها  على أقرب أجنبي.

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

#بعثتك_وظيفتك ومزارع القرع


يحكى أنه في زمن من الأزمان أصبح الناس يشتهون القرع ويبحثون عنه في كل مكان ويدفعون فيه أغلى الأثمان، وفي يوم من الأيام عاد مزارع فقير إلى زوجته وحكى لها كساد بضاعته وأن الناس لا يريدون إلا القرع، فقالت له لما لا تبيع لهم القرع، فعجب منها وقال كيف أزرع القرع وهو يحتاج الكثير من المال للبذور السماد والري وأنا لا أملك المال؟، فاقترحت عليه أن يقترض مالاً من الناس الذين يشتهون القرع.

 ذهب اليوم التالي للبحث عمن يقرضه وعاد آخر اليوم بدون مال لأن الناس يشترطون أن يسددهم قرع كبير، فقالت له زوجته: أوعدهم بما يرغبون من القرع الكبير ومن الآن إلى وقت الحصاد يخلق الله مالا تعلمون.

تذكرت هذه القصة عندما اطلعت على تفاصيل مبادرة وزارة التعليم #بعثتك_وظيفتك ولم أجد إلا الهاشتاق في تويتر وصور لوزير التعليم مع وزير الصحة وكذلك مع مدير الصناعات الحربية يوقعون على اتفاقيات #بعثتك_وظيفتك، لم نرى أي إعلان أو تفاصيل لهذه الاتفاقيات والتي أراها وعود فقط بتوظيف الخريجين إذا تخرجوا ولم أرى أي أثر لخبرات ارامكو وسابك في الابتعاث الخارجي والداخلي والذي يعتبر من أنجح برامج الابتعاث في المملكة، هل سيتم متابعة المبتعثين من قبل وزارة الصحة مثلما تفعل ارامكو؟ هل ستصرف لهم رواتب خلال فترة الابتعاث؟ أشك في ذلك لأنها غارقة في إدارة مستشفياتها وبالكاد تفعل وبتقدير أقل من مقبول.

معالي وزير التعليم أرجوك عدم إضاعة الوقت في البحث عن وظائف لمن لم يتخرج بعد لأنه ليس من عمل وزارتك التي يجب أن ينصب جهدها على التعليم الذي هو أساس للتوظيف، نحتاج تعليم أساسي علمي يرفع من قدرات الطلبة في الرياضيات والعلوم حتى يتمكنوا من الاستمرار والابداع في التخصصات العلمية بالأعداد التي يحتاجها الوطن، نحتاج أطباء ومهندسين وفنيين بأعداد مهولة لن نتمكن من تحقيقها ومبتعثينا يغيرون تخصصاتهم بعد أول اختبار رياضيات وفيزياء، لن ينجح نظام التعليم بهاشتاق في توتير أو حفلات التصوير مع الوزراء وتوقيع اتفاقيات وكأنها اتفاقيات دولية وليست بين وزارة عملها الأساسي التعليم ووزارات يجب عليها أن توظف أبناء البلد، فلماذا الحاجة للاتفاقيات؟!!.

 

لدينا في القطاع الخاص ما يعرف بمؤشرات الأداء والتي نستخدمها في متابعة أداء الشركات على ضوء الميزانيات والوعود المرصودة واقترح على ولي الأمر أن يستخدم الوظائف الموعودة في #بعثتك_وظيفتك كمؤشر أداء لوزارة التعليم وجميع الوزرات المشتركة معها في هذا الوعد حتى لا ينطبق علينا قصة مزارع القرع.

الأحد، 17 مايو 2015

كارثة بناء : انهيار شدات الخرسانة اثناء الصب


انهيار مسجد تحت البناء....... انهيار مبنى اثناء الصب.......انهيار جسر اثناء الصب..........

أصبحت العناوين أعلاه متكررة في الأخبار بشكل ملفت، وللأسف حصدت وسوف تحصد مثل هذه الكوارث الضحايا من العمال المساكين، والغريب أننا لا نرى أي تحرك رسمي أو مهني للوقوف على هذه الكوارث وتحليلها والخروج بحلول وأنظمة مهنية هندسية لمنع تكرار.

أود من خلال هذه المقالة أن أساهم في عرض المشكلة وتقديم الحلول النابعة من خبراتي في مجال البناء والتشييد للثلاثين سنة الماضية واهتمامي الشخصي بالشدات الخرسانية لما وجدت لها من أهمية في أعمال البناء.

كانت المنازل والمشاريع ذات بحور (مسافات بين الأعمدة/الجدران) لا تزيد عن 4 أمتار في الغالب وارتفاع أسقف لا يزيد عن 3متر، والذي ترتب عليه تصاميم أسقف خرسانة اعتيادية ذات أوزان يمكن للشدات والدعامات الخشبية أن تتحملها والتي لا تخضع لأي حسابات هندسية وإنما لخبرات ومهارات النجارين، نعم بدون حسابات هندسية لأن جميع عناصر الشدة من دعامات وبلايوت لا يمكن تحديد قدرات تحملها للأوزان إما لعدم انتظام مقاطعها أو لقدمها وهذا بالإضافة إلى عدم وجود أنظمة حسابات إنشائية تحكم هذه المواد.

مع التطور التقني لأنظمة البناء وأنظمة الحسابات الإنشائية باستخدام الحاسب الآلي وحاجة المشاريع إلى بحور وارتفاعات عالية، أصبح تنفيذ هذه المشاريع هو العرف السائد بمسافات تزيد عن 8 أمتار وارتفاعات تصل إلى 10أمتار والذي بدوره زاد سماكات الخرسانة (بلاطات وجسور) وحديد التسليح. تطورت الشدات عالمياً لتناسب الأحمال والتقنيات الحديثة والتي يمكن معها عمل تصميم هندسي متكامل للشدة تناسب أحمال النظام الإنشائي للمشروع، مع الأسف الشديد لم تتطور أنظمة شدات وأنظمة الصب والتدعيم للخرسانة واستمر سوق المقاولات يعتمد اعتماد كبير على الشدات الخشبية وأصبحنا لا نرى الشدات المتطورة إلا في مشاريع الحرمين والمشاريع الكبيرة، بينما الكثير من المشاريع الحكومية بما فيها مشاريع الجسور (أحدها في وسط مدينة الخبر) لازالت تستخدم الشدات الخشبية العادية.

 

أحد الأسباب الرئيسية لعدم استخدام الشدات الحديثة والمصممة بشكل مناسب لكل مشروع هو عدم إدراج أي مواصفات أو متطلبات خاصة للشدات في العقود، وذلك للعرف السائد بأن تقتصر مواصفات ومخططات المشاريع على وصف المنتج النهائي المطلوب ولا يتم التطرق لطرق الإنشاء والأدوات التي يجب للمقاول استخدامها وتترك للمقاول لاستخدام ما يستطيع اتقانه وفتح باب المنافسة بين المقاولين لتقديم اقل تكلفة عدد معدات بناء تمكنه من كسب المشروع، يمكن أن يكون هذا مناسب للمشاريع العادية أما المشاريع الكبيرة التي بها تحديات هندسية وإنشائية كبيرة فيجب أن يتم تحديد طريقة التنفيذ والتي منها وأهمها تحديد توعية الشدات ومراحل العمل.

وأرى بأن غياب دراسات طرق التنفيذ (Constructability Study ( في مرحلة التصميم أحد أسباب حدوث الانهيارات للشدات وذلك لأن المصمم لا يأخذ في الاعتبار طرق الصب وقدرة الشدات المعدنية لتحمل الاحمال وخاصة عند تصميم جسور عميقة وقبب مرتفعة والتي تحتاج إلى طرق صب مختلفة تناسب أحمال وارتفاعات هذه الأنظمة، في أحد المشاريع رفض مقاول متخصص تنفيذ شدات معدنية للصب وتم تغيير نظام الصب إلى البريكاست للجسور والذي ساهم في تخفيض التكاليف.

 ولتفادي الكوارث الناتجة أرى ضرورة الآتي:

-      تبني مواصفات صارمة للشدات الصب وأن يتم فوراً منع استخدام الشدات الخشبية للمشاريع التي تزيد ارتفاعها عن 3 أمتار التي يجب أن يستخدم فيها الشدات المعدنية على أن يتم تقديم حسابات هندسية لهذه الشدات يعتمدها الاستشاري قبل الصب.

-      إدراج دراسات طرق التنفيذ Constructability Study ضمن مجال عمل التصميم الهندسي.

الاثنين، 3 فبراير 2014

انتخابات هيئة المهندسين....... انه الدعم المالي ياشاطر

كثر اللغط مؤخراً حول انتخابات هيئة المهندسين واعتراض الغالبية على مقترح وزارة التجارة إلغاء الانتخابات واستبدالها جزئياً أو كلياً بالتعيين.

 وبعد تفكير طويل قررت أن أدلي بدلوي حول هذا الموضوع الشائك وأول ما خطر ببالي كلمة بيل كلنتون في أحد الخطب الانتخابية موجهة كلامه إلى غريمه الرئاسي: إنه الاقتصاد يا غبي والتي أصبحت مثال في تركيز أهمية الاقتصاد في الحياة العامة، وقد استعرت عنوان مقارب لمقولة كلنتون لهذه المقالة مع بعض التغيير للضرورة العربية التي تستهجن الغباء في أدبياتها.


كان لي شرف قيادة فريق عمل الإشراف على انتخابات هيئة المهندسين مع فريق رائع قمنا بقيادة العملية الانتخابية من أولها إلى آخرها، وما سوف أسطره في هذه المقالة نتج من ما تعرضت له مع زملائي أعضاء اللجنة من خبرات، كذلك شاركت في لجنة التحقيق التي كلفت بالتحقيق في ممارسات المجلس السابق والتي تكللت بتقرير تفصيلي تم اطلاع الجمعية العمومية عليه في حينة.
بدأت الهيئة بداية هزيلة جداً بسبب عدم وجود أي دخل لها عدى الاشتراكات التي لم تكن بالكاد تغطي تكلفة طباعة مجلة الهيئة الهزلية هي الأخرى، حاول مجلس الإدارة المنتخب الأول الحصول على دعم حكومي للهيئة فتم الرفض بحجة أنها هيئة مستقلة منتخبة أو بمعنى ((يالله ورونا شطارتكم يا مجلس إدارة الهيئة واجمعوا اشتراكات ممن انتخبكم لتكونوا مستقلين)). وهنا بدأت الافكار الهندسية لخلق دخل للهيئة وأول ذلك الاعتماد المهني والذي يدخل ٢٥٠٠نظير بطاقة بلاستك لا تكلف ١٠ ريال طباعة. وقد اعترضت عليه بشده واعتبرته مخالفة كبرى لمهمة الهيئة الأساسية وهي المهنية والتي لا تتحقق بطباعة بطاقة مهندس معتمد إنشائي وهو باعترافه لم يصمم جسر إنشائي في حياته المهنية التي قضاها في إعداد التعاميم وإشارة إلى عطفاً على، وقيل لي أنه الدخل يا شاطر من أين لنا بمرتب الأمين والموظفين، يعني الدخل غلب المهنية والتي هي الأصل في وجود الهيئة.

استمر العمل بهذا البرنامج في المجلس التالي لنفس الغرض وحتى مع وجود بدائل دخل مهنيه أخرى.

اتضح أن العملية الانتخابية كانت مرتع خصب لنوعين من المهندسين (الفاضي والشبعان)، وجدنا أن الكثير ممن رشح نفسه للانتخابات متقاعد يبحث عن ما يشغل يومه ويحاول أن يحقق بقية أحلام في الظهور الإعلامي التي لم يستطع تحقيقها قبل تقاعده، والتي عبر عنها أحد المرشحين بأنه لم يكن يعرفه أحد ولم يلبس بشت ويدخل مكاتب الوزراء إلا بفضل الهيئة. الشبعان، هو مِن مَن أنعم الله عليه بالمال الوفير ولم يستطع شراء الجاه الهندسي والذي وجده في الهيئة وظهورها الإعلامي.


لم تستطع الهيئة حتى الآن النهوض بمهنة الهندسة (رغم وجود الامكانيات من اعتماد شهادات المهندسين الأجانب والمرتبطة بالإقامة والتي توكلها لشركة من الباطن) مثل ما فعلت الهيئات المهنية الأخرى وذلك لما يحتاجه هذا النهوض من إمكانيات مالية ضخمة لن تستطيع الهيئة تحملها بدون قاعدة اشتراكات كبيرة من المهندسين الذين لن يشتركوا بدون دعم وتدريب مهني. (معضلة البيضة والدجاجة)
انخرط رئيس المجلس وأعضاءه الكرام في دور إعلامي يدغدغ أحلام المهندسين بالكادر الهندسي والذي ليس للهيئة علاقة به لأنه كادر وظيفي حكومي بينما الهيئة مهنية للجميع لرفع المستوى المهني والفني للمهندس ويترك لخياراته وخيارات السوق في التوظيف، وأصبح رئيس الهيئة يصدح بكل انفعال في كل محفل ما فعله ويفعله لنصرة المظلومين والمهمشين من المهندسين السعوديين، رغم أن كل الاحصائيات تدل أن المهندسين السعوديين لا زالوا رقم قبل الفاصلة في رحلة التنمية السعودية لانخفاض عددهم وعدتهم الفنية، وأصبحت الهيئة صاحبة الأداء الإعلامي أكثر من  الأداء الهندسي. ومقارنة بسيطة لظهور رئيس هيئة المحاسبين ورئيس هيئة التخصصات الطبية مع رئيس هيئتنا يجد الفرق الشديد، لماذا كل هذا إنه صندوق الاقتراع والانتخابات يا شاطر  التي تتغذى على المادة الإعلامية.
اختم مقالتي هذه بخلاصة أنه لن يصلح هيئة المهندسين إلا ما اصلح الهيئات الأخرى وهو الدعم لحكومي القوي على حساب التخلي عن الانتخابات التي ليس لها أساس اشتراكات قوي مثل النقابات والجمعيات الهندسية الغربية التي تصل اشتراكاتهم بالملايين والتي عندما نصل عُشر تعدادهم يمكننا اللجوء للانتخابات كأداة تختار الصالح من قاعدة اشتراكات كبيرة  وليس الفاضي والشبعان. 

 

الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

اسباب تعثر المشاريع


منذ فترة وأنا أحاول تلخيص نقاط فنية وإدارية لأسباب تعثر المشاريع الحكومية وتوصلت إلى نقاط كثيرة جداً وعندما حاولت أن أجمعها تحت تقسيمات وجدتها جميعاً تشترك في عنصر واحد أساسي وهو عدم توفر الموارد البشرية الهندسية الفنية المحترفة سواءً سعودي أو غير سعودي، وأستطيع الجزم بأن جميع الأسباب الفنية الأخرى هي نتيجة وليست سبب لعدم توفر العنصر البشري. 

جميع الإدارات الحكومية بلا استثناء لديها نقص شديد في العناصر البشرية المؤهلة السعودية وغير السعودية، نجدها تعتمد على إدارات هندسية يتم التوظيف على وظائفها الشاغرة عن طريق ديوان الخدمة المدنية من خريجي الجامعات المحلية والخارجية، وفي الغالب نجد هذه الإدارات في بداياتها تدار من قبل غير مؤهلين أو حتى غير مهندسين ولا توفر التدريب الفني المهني المناسب لموظفيها لعدم توفر الخبرات المتراكمة وكذلك عدم توفر الإمكانيات المادية للتدريب والتي لا يستطيع غير الفنيين "والذي لديهم الصلاحيات المالية" من فهمها والحاجة الماسة لها، ومع ازدياد المشاريع نجد أنه يزج بالمهندسين السعوديين حديثي التخرج إلى واجهة إدارات المشاريع الكبيرة بدون التأهيل والتدريب الكافي، كذلك يزج بهم في دهاليز البيروقراطية التي تحولهم من مهندسين إلى إداريين مما يبعدهم عن الأمور الفنية وازدياد الخبرات منها. 

وللتغلب على نقص الموارد البشرية الهندسية، لجَأَتْ الإدارات الحكومية إلى التعاقد المباشر مع مهندسين أجانب والذي غطى النقص في الجوانب الفنية بشكل جزئي وذلك لعدم القدرة على التعاقد مع كفاءات هندسية لانخفاض الرواتب المخصصة، كذلك الاعتماد على الموارد البشرية الأجنبية العربية فقط والتي هي ذاتها تعاني انغماس في البيروقراطية وانخفاض في الخبرات والتقنيات الهندسية لعدم احتكاكها بالخبرات العالمية التي تتجدد باستمرار. 

ومع ازدياد المشاريع لجأت الإدارات الحكومية إلى العقود الاستشارات الهندسية والتي هي عقود توريد مهندسين يعملون بشكل مباشر وتحت إدارة وتوجيهات الإدارات الهندسية، استطاعت هذه العقود التغلب جزئياً عل مشكلة الكم والكيف، حيث مكنت هذه العقود من توريد مهندسين بالعدد المطلوب، كذلك مكنت من تحسين في خبرات ومؤهلتهم لارتفاع الأجور لهذه العقود، لم تصمد هذه العقود كثيراً أمام انحسار الميزانيات المخصصة وزيادة المنافسة بين المكاتب للفوز بهذه العقود عن طريق تخفيض الأسعار والذي يعد المعيار الرئيسي الكارثي لتقييم العروض.

في خضم التخبط أعلاه، بدأت الهيئة الملكية بالجبيل وينبع بنموذج مختلف تماماً وهو الاعتماد الكلي على بيوت الخبرة العالمية من بداية التخطيط الاستراتيجي ورسم خطط طويلة المدى لمدن صناعية طموحه مرور بالتصميم الهندسي وإدارة المشاريع الإنشائية وانتهاءً بالصيانة والتشغيل، تم التعاقد مع شركة بكتل العالمية في الجبيل وشركة بارسونز في ينبع، نجحت هذه الشركات في إنجاز مدينتي الجبيل وينبع على مستوى عالمي من الناحية الفنية والإدارية، وكذلك نجحت هذه الشركات من تأسيس وتدريب عقليات سعودية فذَّه استطاعت أن تكمل مسيرة النجاح والمحافظة على المستوى العالي في الأداء، كل ذلك تم بسبب ما استطاعت هذه الشركات توفيره من الموارد البشرية الخبيرة من مكاتبها في جميع أنحاء العالم والتي تعمل ضمن نظام إداري عالمي شكلته خبراتهم المتراكمة لأكثر من١٠٠ سنة. 

في الختام اعتقد أن المشاريع الحكومية سوف تبقى متعثرة طالما ينقصنا الموارد البشرية الماهرة والتي لا يمكننا حلها بين ليلية وضحاها، الهندسة حضارة والحضارة تحتاج إلى بنية تحتية من التعليم الأساسي العلمي الذي يُمَكِّنْ أبنائنا من اجتياز مواد الهندسة في الجامعات باقتدار وابداع بدلاً من تغيير التخصص بعد أول اختبار رياضيات أو فيزياء.

كذلك نحتاج أن نواجه حقيقة مره أن اللغة الانجليزية هي لغة الهندسة والعلم وأنه بدون إجادة التخاطب والكتابة لن يستطيع المهندس العمل والتدريب باحترافية، وأرى بأنه على المدى القصير تحتاج الإدارات الحكومية اللجوء إلى بيوت الخبرة العالمية لتغطية النقص الفني لديها واقترح أن يتم تأسيس الهيئة الملكية للمشاريع الحكومية تكون مسئولة عن المشاريع المليارية ويشكل لها مجلس إدارة من وزارة المالية وأرمكو والهيئة الملكية للإستفادة من خبرات وعقليات هذه الكيانات ويتم التعاقد الفني مع إحدى شركات بيوت الخبرة العالمية لإدارة هذا الكيان. 

الأسلوب القصصي في الكتابة والعروض

تخرجنا من الجامعة بمهاره جيده للكتابة باللغة الإنجليزية والتي تميز خريجين جامعة البترول عن غيرهم والتي ركزت عليها الجامعة في   السنة التحض...